العنف المسلح والجفاف والتهجير.. مثلث النار الذي ينتهك حقوق الفتيات في الساحل الإفريقي

العنف المسلح والجفاف والتهجير.. مثلث النار الذي ينتهك حقوق الفتيات في الساحل الإفريقي
نساء وفتيات في منطقة الساحل الإفريقي

تعيش النساء والفتيات في منطقة الساحل الإفريقي واحدة من أشد الأزمات المركبة التي يشهدها العالم اليوم، حيث يلتقي العنف المسلح والتطرف العابر للحدود مع أزمات المناخ والفقر المدقع، لتنتج واقعًا قاسيًا تتكسر فيه الطفولة، وتُصادر فيه الأحلام، وتتحول فيه الأجساد إلى أدوات حرب ومعاناة.

وبحسب إفادة الممثل الخاص للأمم المتحدة ليوناردو سانتوس سيماو لمجلس الأمن، فإن النشاط الإرهابي في الساحل الإفريقي "يتصاعد من حيث النطاق والتعقيد والدقة"، مع زيادة واضحة في استخدام الطائرات المسيرة، وتزايد التعاون بين الجماعات المتطرفة وعصابات الجريمة المنظمة العابرة للحدود.

لكن خلف كل تلك الأرقام والخرائط العسكرية، هناك وجه إنساني غائب: الفتيات اللاتي يجدن أنفسهن وسط هذا الجحيم المسلح محرومات من التعليم، ومعرضات للعنف الجنسي، ومجبرات على خيارات قاسية للنجاة.

التعليم أول الضحايا

بحسب تصريحات المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، فإن أكثر من مليون فتاة في منطقة الساحل وتحديدا في مالي والنيجر وبوركينا فاسو لم تعد قادرة على الالتحاق بالمدارس بسبب تدهور الوضع الأمني. 

الأسوأ من ذلك أن نحو ستين بالمئة من هؤلاء الفتيات لم تطأ أقدامهن مقاعد الدراسة إطلاقًا.

تتحول المدرسة في مناطق النزاع إلى هدف مباشر للجماعات المتطرفة، حيث تُغلق المؤسسات التعليمية أو تُهاجم، ويُجبر الأهالي على إبقاء بناتهم في المنازل خوفًا من الاختطاف أو القتل، ومع فقدان هذا الحق الأساسي، يصبح مستقبل الفتيات محكومًا بسيناريوهات تتراوح بين زواج القاصرات، والتجنيد القسري، والاستغلال.

تدمير سبل العيش

إلى جانب التعليم، تتأثر النساء بشكل بالغ بتبعات الصراع على الحياة اليومية، حيث تؤكد تقارير الأمم المتحدة أن إغلاق الأسواق المحلية وتفشي النزوح والبطالة أديا إلى انهيار شبه كامل في مصادر دخل النساء، لا سيما في المناطق الريفية.

ومع اشتداد الجفاف وندرة المياه والحطب، تضطر النساء والفتيات إلى السير لمسافات أطول لجلب الحاجيات الأساسية. في هذه الرحلات، كثيرًا ما يتعرضن للتحرش أو الاختطاف أو الاعتداء من قبل الجماعات المسلحة أو الميليشيات المحلية.

ويؤدي هذا الانهيار الاقتصادي إلى تفكك الروابط الأسرية، حيث تُجبر العائلات على تزويج بناتهن في سن مبكرة لتقليل الأعباء المعيشية أو لتأمين الحماية، مما يسهم في دوامة جديدة من العنف الهيكلي والانتهاك الصامت.

الانتهاكات في الخفاء

وثقت منظمات حقوقية دولية، مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، العديد من حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي في مناطق النزاع، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، والاستعباد الجنسي، والزواج القسري، واستخدام النساء كدروع بشرية أو أدوات تجسس.

وغالبًا ما تُرتكب هذه الانتهاكات وسط صمت دولي، أو في بيئة قانونية هشة لا توفر أي حماية حقيقية للضحايا. بل إن الكثير من الناجيات يُواجهن بعد عودتهن مجتمعات ترفضهن، أو تُحمّلهن مسؤولية ما تعرّضن له، مما يدفع الكثيرات إلى الانتحار أو الهروب من مجتمعاتهن نهائيًا.

فراغ قانوني واستجابات باهتة

رغم وجود التزامات دولية صريحة بحماية النساء في مناطق النزاع، مثل ما ينص عليه قرار مجلس الأمن رقم 1325 والقرارات اللاحقة، فإن الواقع يشير إلى ضعف كبير في تنفيذ هذه الالتزامات على الأرض. فلا توجد برامج حماية فعالة، ولا أنظمة متابعة لضحايا العنف، ولا إرادة سياسية حقيقية في العديد من الدول لوضع قضايا النساء ضمن أولويات السياسات الأمنية.

كما أن بعض الحكومات في منطقة الساحل، التي وصلت إلى الحكم عبر انقلابات عسكرية، تتذرع بمكافحة الإرهاب لقمع المنظمات النسوية أو تعطيل برامج الدعم الاجتماعي، ما يجعل النساء في مواجهة مباشرة مع العنف دون أي سند.

أرقام تتحدث عن فاجعة

 أكثر من أحد عشر ألف مدني قتلوا في منطقة الساحل منذ عام 2020 نتيجة أعمال عنف مسلح.

 مليون فتاة على الأقل خارج النظام التعليمي، في ظروف تهدد مستقبلهن بالكامل.

معدلات زواج الأطفال ارتفعت بنسبة تقارب خمسة وعشرين بالمئة منذ عام 2022 في بوركينا فاسو والنيجر.

نحو ثلاثة ملايين نازح يعيشون في مخيمات تفتقر إلى الحد الأدنى من الحماية والخدمات، غالبيتهم من النساء والأطفال.

كيف بدأت الأزمة؟

شهدت منطقة الساحل الإفريقي، الواقعة بين الصحراء الكبرى من الشمال والغابات المدارية من الجنوب، اضطرابات مزمنة منذ عقود، فعقب استقلال دول مثل مالي والنيجر وتشاد، تناوبت الحكومات العسكرية والمدنية على الحكم، في ظل بنية اقتصادية ضعيفة، وغياب التنمية المستدامة.

لكن التحول الأكبر بدأ عام 2012، عندما أدى سقوط نظام القذافي في ليبيا إلى تدفق كميات هائلة من الأسلحة والمقاتلين إلى الجنوب، ما أسهم في صعود جماعات متطرفة مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتنظيم داعش.

ورغم التدخلات العسكرية الدولية، مثل عملية برخان الفرنسية، فإن حالة الانفلات الأمني استمرت وتعمقت، وتوسعت رقعة الإرهاب من شمال مالي إلى بوركينا فاسو والنيجر، لتشمل اليوم مناطق واسعة من غرب إفريقيا.

وبحسب مراقبين فإن معالجة تداعيات الإرهاب في الساحل الإفريقي لا يمكن أن تقتصر على الحلول العسكرية أو الأمنية؛ فواقع النساء والفتيات في هذه المنطقة يكشف عن أزمة مركبة، لا يمكن تفكيكها دون الاعتراف بأهمية العدالة الجندرية، وتمكين النساء، وحمايتهن قانونيًا واجتماعيًا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية